حماية كبار السن في المملكة- واجب والتزام مجتمعي
المؤلف: عقل العقل09.25.2025

تتفاضل الدول بمعايير شتى، مادية ومعنوية، فمنها من يبلغ ذروة الازدهار الاقتصادي والتفوق العسكري، ويهيمن إنتاجه على الأسواق العالمية، بيد أنه يعاني قصوراً بيناً في أنظمته الاجتماعية، وقصوراً في رعاية مؤسساته الحكومية لشرائح واسعة من المجتمع، لاسيما الفئات الأشد ضعفاً كالأطفال والنساء وكبار السن. وفي المقابل، توجد مجتمعات بلغت من الرقي والتنظيم مبلغاً عظيماً، يكفل لأفرادها حياة كريمة باستقلالية تامة.
قد يلحظ المرء في بعض هذه المجتمعات أن كبار السن يقضون أواخر أيامهم في عزلة ووحدة، وهو ما قد يبدو منافياً للطبيعة الإنسانية السوية، ويثير التساؤل عن دور الأبناء في رعاية هذه الشريحة المحتاجة. إلا أن هذه المجتمعات عمدت إلى إنشاء مؤسسات حكومية وخاصة تتولى شؤون رعاية المسنين، بل إن الكثير منهم يدخرون مبالغ طائلة طوال حياتهم لضمان تقاعد مريح وشيخوخة هانئة، ويعيش بعضهم في دور رعاية المسنين دون أن يروا في ذلك وصمة اجتماعية أو تفككاً أسرياً، بل يعتبرونه جزءاً من الحياة. هذه هي سمة المجتمعات الصناعية ذات النزعة الرأسمالية، والتي يصفها البعض بـ "المتوحشة".
منذ أيام قلائل، أعلنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في المملكة العربية السعودية عن تفعيل بنود اللائحة التنفيذية لنظام حقوق كبار السن في المملكة، وهي لائحة تلزم الجهات الحكومية وغير الحكومية على حد سواء بتقديم الرعاية الشاملة والدعم المتواصل لكبار السن، وتيسير حصولهم على كامل الخدمات التي يحتاجونها، مؤكدة أن احترامهم ليس من باب التفضل والإحسان، بل هو واجب أصيل تمليه القيم والأخلاق.
هذا النظام يعكس بجلاء حرص حكومة المملكة على صون حقوق كبار السن ورعايتهم، وتجسيد أخلاقيات وقيم المجتمع النبيلة، كما يعكس وعياً بأهمية حماية هذه الفئة الغالية من كل أشكال الإهمال أو الإساءة، وتقدير أن بعضهم قد يتعرضون للاضطهاد والعنف وظروف الحياة القاسية لأسباب متعددة. فرعايتهم تبدأ من الأسرة، ولا تنتهي عند هذا الحد، بل تمتد لتشمل دوراً فاعلاً للمؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني في حماية حقوقهم وضمان دمجهم في المجتمع، وعدم التمييز ضدهم في الخدمات المقدمة إليهم. وسوف تحظى الخدمات الصحية والنفسية بأولوية قصوى، مع توفير الحماية اللازمة لحقوقهم المالية. وقد نصت مواد النظام على عقوبات رادعة وغرامات مالية باهظة لمن يسيء إلى كبار السن أو ينتقص من حقوقهم.
المملكة العربية السعودية، برعاية سخية من قادتها، تولي اهتماماً بالغاً بالتشريعات والقيم والمواثيق الدولية التي تهدف إلى حماية حقوق الإنسان بشكل عام، والفئات الأكثر عرضة للاضطهاد والإيذاء بوجه خاص، وتحرص على أدق التفاصيل التي قد يغفل عنها البعض في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. وقد أكدت رؤية المملكة 2030، من خلال العديد من البرامج الطموحة، على أولوية رعاية الإنسان وتيسير سبل حياته في شتى المجالات، بما في ذلك توفير المسكن الملائم والمعيشة الكريمة للجميع، وتصب برامج جودة الحياة في هذا الاتجاه.
ولا شك أن المجتمع بحاجة ماسة إلى حملات توعية مكثفة في مختلف المجالات، لاسيما في التعليم والإعلام، لشرح مواد هذا النظام وأهميته للجميع، وتسليط الضوء على الحقوق والواجبات.
وثمة نقطة أخيرة أرى أنها جديرة بالاهتمام، وهي إجراء دراسات علمية معمقة حول احتياجات هذه الفئة العزيزة من مجتمعنا، ومعالجة أوجه القصور في حياتهم، خاصة في مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة التي يشهدها العالم، والتي قد تكون لها انعكاسات سلبية وخيمة عليهم، كما رأينا في جائحة كورونا، إضافة إلى مراجعة مداخيلهم المالية بما يتناسب مع مستويات التضخم المتصاعدة التي تعصف بالاقتصاد العالمي.